
” ليس في العالم سوى الحب، أما المعرفة، فهي إشاعة فحسب” إليف شفق
تأخرت كثيراً في قراءة مذكرات أليف شفق ( حليب أسود )، رغم أني اشتريها منذ مدة، ولكن بسبب تعليقات الكثير أنها مذكرات سلبية وتتحدث كثيراً عن آلام الأمومة ومعاناة المرأة في المجتمعات أجلت قرائتها، وليتني لم أفعل، فمذكرات ( حليب أسود ) هو أفضل وأول كتاب سأقوم بترشيحه لأي شخص يرغب بالبدء بالقراءة عن إبداعات أليف شفق.
رغم أنها كانت تكتب مذكراتها وقصة زواجها من زوجها ( أيوب ) الرجل الذي أحبته وتزوجته في ألمانيا دون علم أهلها ، لأنها تكره الإحتفالات والعادات في الزواج التركي ( هذه طبيعة شخصية أليف)، ورغم أنها أسست لها عدة شخصيات لها في الرواية سأكتب عنهم لاحقاً، إلى أنها دائماً تستطيع أن تجر ذهني جراً إلى عالمها.
كنت أقرأ المذكرات وأنا في بيروت، ولكن من شدة اندماجي بمذكراتها ووصفها الدائم الساحر لاسطنبول نسيت أنني في لبنان، حين رفعت رأسي لأخذ استراحة قصيرة من احدى الفصول، اعتقدت أنني سأرى البوسفور، ولكني كنت أمام الروشة، والتفت للمباني لعلّي أجد مباني اسطنبول التاريخية التي أعشقها، إلى أنني وجدت مباني لبنان المتهالكة التي كانت شاهدة على آثار الحرب والرعب.
اسمها الأدبي ( أليف شافاق ) كما يكتب بالتركية، أما العربية فاسمها الأول مشتق من الحرف (أ) لأنه الحرف الأكثر استخداماً وانتشاراً ، أما اسمها الثاني (شافاق) كما ينطق بالتركية و (شفق ) بمعنى الفجر في العربية هو اسم والدتها كونها عاشت بدون والدها الحقيقي.
أقل ما يمكن وصف هذه المذكرات بأنها رائعة ووميزة ومن الضروري أن تقرأها كل امرأة وكل رجل ليعرف أيضاً كيف للمرأة أن تكون أماً، وكاتبة . ولا تخلو أي رواية من روايات وكتابات ( أليف) من معلومات هائلة سواء بمجال التاريخ أو الاقتصاد أو السياسة، أما هذه المرة فكان التركيز الأكثر على الروائيات والكاتبات العالميات، فقد قامت بعمل بحث مطول عنهن وعن حياتهن‘ فبعضهم قررن أختيار الكتب أطفال والابتعاد عن الأمومة للنجاح ككاتبات، والبعض اخترن الأمومة على الكتابة، والبعض الآخر حاولن أن ينجحن بالأثنين معاً و ( أليف) احداهن.
اختارت( أليف) عدة شخصيات لها في المذكرات أسمتهن ( فتيات الاصبع) وان اجتمعن معاً فيصبحون ( جوقة أصوات الفوضى) وهي تقصد أنهن أصواتها الداخلية، وهذا حقيقي فنحن نملك شخصيات داخلية لأصواتنا الداخلية التي أحياناً تجعلنا نعيش بعدة تناقضات. والشخصيات الستة هن: الآنسة الساخرة المثقفة، والآنسة التشيخوفية (وهي الشخصية العنيدة والمدمنة على العمل)، الآنسة الدرويشية ( وهي شخصية أليف الصوفية)، الآنسة العملية القصيرة، وماما الرز بالحليب ( وهي الشخصية الأم )، واخيراً الشخصية المشاغبة بلوبيلي بوفاري ( المرأة الأنثوية المتمردة).
في رأيي الشخصي هذه مذكرات رائعة وتساعد كل شخص يرغب بالبدء بقراءة روايات أليف شافاق فليبدأ بهذه المذكرات ومنها ينطلق لقراءة بقية رواياتها ، والجميل أن تتحدث عن الحالات التي تمر بها المرأة وأي شخص ما بين نجاح وفشل، صعود وسقوط، بين عدة تناقضات في الحياة.